شيخ مجاهدي سيناء وقصة الجاسوس الاسرائيلي الغامض
كلنا استمعنا النهاردة لكلمة الشيخ حسن خلف شيخ المجاهدين فى سيناء ، وهو بيحكي عن كواليس أسره من قبل القوات الإسرائيلية ثم الإفراج عنه عام 1974 بموجب صفقة تبادل بين الجانبين المصرى والإسرائيلى ، وشوفناه وهو بيحكي إن إسرائيل جن جنونها بعد إلقاء المخابرات المصرية القبض على الجاسوس الاسرائيلي ( من أصل مصري) باروخ مزراحي وإزاي لجأت اسرائيل إلى كافة المؤسسات والمحاكم الدولية للإفراج عنه ، لكن الدولة المصرية طلبت الإفراج أولا عن مجاهدى سيناء في مقابل الافراج عن ذلك الجاسوس الاسرائيلي ، فمن هو ذلك الجاسوس ؟، وما هي قصته ؟؟
.
• قصة الجاسوس باروخ مزراحي هي إحدى القصص المدونة فى سجلات المخابرات المصرية بأحرف من نور فى ظل صعوبة عملية الإيقاع به وإلقاء القبض عليه من قبل الضباط المصريين، وفيما يلى تفاصيل قصته من البداية للنهاية:
.
■ ولد باروخ زكي كوهين مزراحي بـمحافظة القاهرة عام 1926، وكان والده زكي كوهين مزراحي واحداً من تجار الدخان في شارع كلوت بك، وكان ثرياً إلي الحد الذي سمح له بإلحاق ابنه باروخ بمدرسة الفرير، قبل أن يتوفي عام 1933، إثر إرهاق شديد في العمل.. وعلي الرغم من وفاة الوالد، راحت أم باروخ تعمل بجد و بلا كلل، لتوفر لأبنائها حياة قريبة من تلك التي وفرها لهم والدهم، واشتهرت بين جيرانها بأنها خياطة بارعة تتقاضي أجراً يتناسب مع مهارتها وذوقها الرفيع، بحيث نجحت في إلحاق باروخ في سبتمبر 1940 بمدرسة الفرير الثانوية، المعروفة باسم مدرسة القديس يوسف، وحصل منها علي شهادة التوجيهية ( الثانوية العامة) ، من القسم الأدبي عام 1944، والتحق في العام نفسه بكلية التجارة جامعة القاهرة، وتخرج فيها عام 1948، وتخصص في المحاسبة..
.
■ في نفس عام تخرجه، عمل باروخ في شركة كونزلز لاستيراد المعلبات والمحركات، ثم انتقل في عام 1950 للعمل في شركة بخكو للأدوية والأدوات الجراحية، وظل يعمل فيها لمدة عشرة أشهر، انتقل بعدها للعمل مدرساً، في مدرسة الأقباط الكبري الثانوية، لتدريس اللغة الفرنسية، وكان عمله ينتهي فيها في الرابعة عصراً، حيث يعمل حتي المساء في شركة سمسرة، تحمل اسم دانيال نبياه وشركاه..
.
■ وأصبح باروخ موظفاً ثرياً، بالمعني المعروف في تلك الأيام، يقطن شقة أنيقة، تحوي كل متطلبات العصر، ويرتدي أفخر الثياب، ويتعطر بأغلي العطور، ويكفل أمه وشقيقته إيفيت وشقيقه ماير، وكل شيء يسير معهم علي خير ما يرام.
● ولكن فجأة حدث له ما قلب حياته رأساً على عقب ، وغيّر مجرى تفكيره تماما !
.
■ كان هذا في شتاء عام 1955، عندما إلتحقت فورتينيه الفاتنة الشقراء بنفس المدرسة، التي يعمل بها باروخ، وأصبحت زميلته في العمل.. ومنذ اللحظة الأولي، التي وقع فيها بصره علي شعرها الذهبي وابتسامتها الساحرة، غرق باروخ في غرامها حتي النخاع، وراح يتقرب منها في لهفة واضحة، وهي تسمح له بالاقتراب إلى حدود مدروسة، ثم تصده وتمنعه عن الاستطراد في حنكة وصرامة، تمتزجان برقة وإغراء يفتنانه، ويخلبانه لبه وصوابه، حتي إنه عرض عليها الزواج.. كان يتوقع منها الشعور بالمفاجأة، أو الخجل، أو حتي إشاحة رقيقة بوجهها، ولكن ما فعلته كان مدهشاً للغاية.. لقد تطلَّعت إليه لحظة بابتسامة ظافرة، وتألق الزهو في عينيها واضحاً، ثم لم تلبث أن حوَّلت كل هذا إلي ضحكة مجلجلة، تموج بالانتصار والخيلاء، وعلي الرغم من هذا، فقد رفضت عرضه ؛ لأن عائلتها كلها قررت الهجرة إلي إسرائيل.. وعبثا حاول إقناعها بالبقاء في مصر مشيراً إلي أن كليهما يتمتع بوظيفة ممتازة، ووضع مالي جيد ولكنها تشبثت برأيها، وحسمت الأمر بأن الوسيلة الوحيدة هي أن يهاجر هو أيضاً إلي إسرائيل.. أو يفترقان تماماً..
● وتحت ضغط الحب والهوى ، أقنع باروخ أمه بالهجرة لاسرائيل ، وحملها رغما عنها إلى السفينة التي حملتهما إلى ميناء بيريه الفرنسي ومنه إلى ميناء حيفا في الأراضي المحتلة
.
■ وهناك، في قلب إسرائيل، راحت الصدمات تتوالي.. كانت الصدمة الأولي هي أنه سينتقل مع أمه، للعيش في كيبوتس (مستعمرة) معجان ميخائيل حيث تعمل أمه في حياكة الملابس، ويعمل هو فلاحاً أجيراً.. والصدمة الثانية هي أن حياته في أرض الميعاد، لم تكن تساوي ذرة من حياته في مصر، إذ أن أجره كان يكفيه بالكاد، ليعاني شظف العيش، ويجد مأوى متواضعاً، ويتناول ثلاث وجبات أشد تواضعاً..أما الصدمة الكبري، التي زلزلت كيانه، وحطمت كل أحلامه، فهي أن حلم زواجه من فورتينيه قد تبدد ، لأنها تركته لتتزوج من يهودي ثري، وبهذا انقطع آخر أمل له في الزواج منها.
.
■ ولم تكن هذه هي نهاية الصدمات، بل تواصل الأمر بانتقاله إلي حيفا، وعمله هناك كرجل شرطة، بأجر تافه ضئيل، واضطراره للعيش في مسكن مشترك، مع يهودي آخر، ومعاناته من سوء معاملته، باعتباره أحد يهود السفارديم ، أي يهودي من الطبقة الثانية
● وعلي الرغم من كل هذا، لم يبق باروخ بلا زواج.. فقد التقي، أثناء عمله في شرطة الآداب، زميلته مارجريت، فوقع في حبها من أول نظرة، وغرق في بحر الهدوء المطل من عينيها الحانيتين، وسرعان ما تزوجها، وبدأ حياة أسرية جديدة، ينفق عليها من الإتاوات والرشاوي، التي يتقاضاها من قطط الليل، لغض البصر عن نشاطهن .
.
■ وذات يوم استدعاه رئيسه ليقول له في لهجة حازمة انه قد رشحه لعمل مهم ، وطلب منه أن يتوجه غدا إلى مكتب المخابرات الاسرائيلية ويقابل رئيسه حاييم أيدولوفيتش ، ومن هنا كانت البداية ، حيث أخبره رئيس الموساد حينها أنه تم تعيينه في جهاز المخابرات الاسرائيلي وأسند إليه مهمة مراقبة نشاط الشيوعيين في اسرائيل
.
■ و انغمس باروخ فجأة في هذا العالم ، وكان يغمر رئيسه بتقارير بالغة الخطورة عن نشاط الشيوعيين في اسرائيل ويتقاضى مكافآت سخية ، وبرع في عمله بشدة ، حتى استدعاه حاييم ذات يوم وابتسم ابتسامة كبيرة وهو يطلب منه أن يذهب لمقابلة شخص مهم في قهوة فيرد بشارع ديزنجوف بتل أبيب في السادسة مساء
● وذهب باروخ في الموعد تماما وبدأ خطوته الثانية في عالم المخابرات .. في البداية اسندوا إليه بعض أعمال الترجمة لتقارير واردة من العملاء الأجانب ، ثم بعد فترة استدعاه المدير ليخبره انهم سيرسلونه في مهمة إلى هولندا حيث افتتحوا مكتبا تجاريا هناك كغطاء لأعمال التجسس .. وفهم باروخ ما يعنيه الأمر ، وسافر إلى هولندا ، وهناك أقام شبكة واسعة من العلاقات مع المصريين والعرب المقيمين في العاصمة أمستردام ، وجمع منهم قدرا كبيرا من المعلومات ، جعله يؤكد أن مستوى الوعي الأمني عند العرب منخفض للغاية ، فما إن يبدأ الحديث مع أحدهم حول موضوع ما ، حتى ينطلق مثرثراً ليروي كل ما لديه عنه مهما بلغت سرية الأمر.
.
■ وبعد النجاح الساحق لمهمته في هولندا عاد باروخ إلى تل أبيب، ولم تمض فترة قصيرة حتي استدعاه مديره مرة أخرى، وقال في لهجة تشف عن أهمية الأمر وخطورته: إن المصريين قد ضربوا إحدي السفن الإسرائيلية، أمام باب المندب، وهذا ما دفعهم إلي أن يسندوا إليه مهمة بالغة الخطورة، يعلقون آمالاً كبيرة علي نجاحه فيها، وأن رئيسة الوزراء جولدا مائير شخصياً، شديدة الاهتمام بما سيحققه فيها؛ إذ سيسافر أولاً إلي عدن ثم اليمن الشمالية وبعدها إلي دولة الإمارات.. ويريدونه أن يجمع أكبر قدر من المعلومات عن هذه البلاد، ويتابع نشاط منظمة التحرير الفلسطينية فيها، ويريدون أن يعرفوا بالتحديد، هل يتدرب الفدائيون هناك علي ضرب ناقلات البترول الإسرائيلية في البحر الأحمر أم لا ؟
.
● وشعر باروخ بأهمية المهمة وخطورتها، وهو يبدأ رحلته، بجواز سفر مغربي، يحمل اسم أحمد الصباغ وعلي كتفه، كأي سائح عادي، آلة تصوير جيدة ، تساعده على إلتقاط صورالأهداف الحيوية، وقبل أن يستقل طائرته بأقل من ساعة، جال بخاطره أمر مقلق.. فماذا لو انكشف أمره؟ وعندما صارح رئيسه موردخاي بهذا، انفجرت عاصفة من الضحك في مقر المخابرات، وأخبروه في ثقة بأن الخطة التي يضعها عباقرة الموساد يستحيل أن يكشفها عرب متخلفون .
.
■ وهكذا غادرهم باروخ وهو يشعر بالزهو والغرور ، لأنه يعمل في جهاز خطير ودقيق مثل المخابرات الاسرائيلية ، وسافر إلى عدن وأنهى مهمته فيها بنجاح ، ثم سافر إلى شما اليمن حيث أقام في فندق الأخوة بمدينة الحُديّدة ، وهناك بدأ عمله في ثقة وبساطة ، فراح يتجول في الأسواق وبالقرب من الميناء حاملاً آلة التصوير المعلقة بكتفه والتي يلتقط عشرات الصور للميناء وللسفن التجارية والعسكرية الراسية فيه ، واجراءات الأمن من حوله ، ثم يعود إلى غرفته بالفندق وهو شديد الزهو والسعادة
.
■ ولكن فجأة ، وفي نفس اليوم الذي كان يستعد فيه للسفر إلى أديس أبابا ، فوجئ بشابين من رجال الأمن اليمنيين في حجرته يستأذنانه في تفتيش الحجرة ، وثار باروخ ثورة عارمة مصطنعة ، وهدد بالاتصال بسفارة المغرب ، ولكن أحدا لم يعره انتباهاً وعثر الشابان على الصور والأفلام ، فصاح مؤكدا أنها مجرد صور تذكارية يلتقطها كأي سائح ، وهنا دس أحد الشابين يده في جيب باروخ وأخرج رسوما كروكية للميناء والمواقع العسكرية ، وهو يسأله مستهزئا : أهذه أيضا صور سياحية تذكارية ؟
.
■ وهنا سقط باروخ، واستسلم لهما وهما يقودانه إلي مبنى التحقيقات، ولكنه ظلّ يصر على أنه مغربي الجنسية، ثم عاد وأختلق قصة أنه من دولة الكويت ويعمل فى جريدة كويتية وأبرز لهم جواز سفر كويتيا ، و قام رجال الأمن هناك بعمل تحريات عن هذا الاسم فلم يجدوا له أية بيانات، فبدأت الشكوك تساور رجال الأمن اليمني ، ولما لم يجدوا أي أثر يمكنهم من الاستدلال على شخصيته أو طبيعة ما كان يفعله، تم الاتصال بجهاز المخابرات المصرية .
.
● وبمجرد إرسال الملف الخاص بهذا الرجل الغامض مرفقا به صوره إلى رجال المخابرات المصرية ، تعرفوا عليه على الفور ، وأدركوا انهم قد وقعوا على صيد ثمين ، فهم يعرفونه جيدا بحكم كونه مصري المولد ، ويعرفون جيدا أنه أحد كبار ضباط الموساد ، ويعمل في وحدة مسادا - وحدة العمليات الخاصة - أرفع وحدات الجهاز وأكثرها تدريبا وإطلاعا على الأسرار الدفينة.
.
■ وعلى الفور تم تكليف واحد من أخطر وأشهر ضباط جهاز المخابرات المصرية وهو الضابط رفعت جبريل بمهمة السفر إلى اليمن وإستعادة ذلك الصيد الثمين للتحقيق معه في القاهرة ، مع التنبيه عليه بأن مهمته لن تكون سهلة أبدا، فاسرائيل التي علمت بخبر إلقاء القبض عليه لن تتركه يسقط هكذا بسهولة في أيدي العرب ، وستعمل على إنقاذه منهم بأية وسيلة ، أو قد تلجأ حتى إلى تصفيته حفاظا على ما لديه من أسرار خطيرة
.
■ وبالفعل لم تكن رحلة الضابط رفعت جبريل مع الضابط الإسرائيلي باروخ زكي مزراحي، من اليمن إلي القاهرة سهلة أو هينة، بل كانت مغامرة عنيفة تستحق مجلداً ضخماً لسردها ، فقد أرسلت إسرائيل وحدة كاملة من أكفأ ضباطها وأشرسهم لانقاذ ضابطهم من براثن المخابرات المصرية ، لكن الضابط المصرى رفعت جبريل استطاع الهرب منهم عن طريق الصحراء والوديان إلى أن وصل الى شاطئ البحر الأحمر ليبدأ فصلٌ جديد من الصراع المسعور في أعالي البحار .
.
■ فبمجرد وصول الضابط رفعت جبريل إلى الشاطئ ومعه فريسته كان هناك زورق سريع في انتظاره حمله إلى عرض البحر، حيث تم التقاطه بواسطة غواصة مصرية تم إرسالها سريعا لهذه المهمة ، وهنا جن جنون اسرائيل فقررت إرسال ثلاث سفن حربية مزودة بالطوربيدات في محاولة أخيرة منها لنسف الغواصة المصرية بمن فيها ، لذلك تم تعديل مسار رحلة الغواصة قبل أن تلحق بها المدمرات الإسرائيلية القادمة من الشمال، فتقرر أن تتوجه الغواصة بسرعة حاملة الصيد الثمين إلى ميناء بور سودان حيث كانت تنتظرهم طائرة عسكرية مصرية نقلتهم فورا إلى القاهرة
.
■ وقبل أن يبدأ السيد إسماعيل مكي، نائب المدعي العسكري العام المصري، تحقيقاته معه في مقر المخابرات العامة، مال نحوه، وأخبره بابتسامة هادئة، أن زوجته مارجريت قد رُزقت بمولودة أمس، وهي في حالة جيدة.. وهنا انفجر باروخ باكياً، وانهارت مقاومته ليعترف بكل شيء. ليست الأشياء المعتادة فقط بل أدق وأخطر الاشياء
● وهكذا جرت عملية اعتصار "مزراحي"حتى نزف بكل المعلومات التي في حوزته والتي أطلع عليها بحكم عمله، وتحت ضغط التحقيقات المهنية حصل المصريون على خريطة طريق تفصيلية توضح أساليب العمل والتجنيد التي تتبعها وحدة "مسادا"..توضح كيف يزرعون جواسيسهم في الدولة الهدف..أسلوب تحرك العملاء لجمع المعلومات التي تهم تل أبيب..أنماط التأمين المتبعة بداية من تكوين أسرة، مرورا بالغطاء الإجتماعي، ثم تكوين الصداقات مع قيادات عسكرية وسياسية ومدنية في الدولة المستهدفة .
.
■ بعد الحصول على هذه المعلومات القيمة ، أصبح باروخ مثل قطعة أسفنج جافة أو مثل ضرع نعجة ضامرة لا يروي ظمأ ولا يدر قطرة حليب واحدة ، فتم إيداعه في الزنزانة رقم (6) بالسجن الحربي ليموت كل يوم ببطء وهو يجتر ذكرياته بعد أن أدرك أن عقوبته الرادعة التي يقضيها في المعتقلات المصرية ستطول وتطول إلى ما لا نهاية خاصة بعد نصر أكتوبر ، وزاد اكتئابه بعد أن نما إلى علمه في 4 ديسمبر 73، أن المخابرات المصرية رفضت مقايضته بالعقيد السوفيتي، وضابط الكي جي بي الشهير "يوري لينوف" المعتقل في "إسرائيل" بتهمة التخابر، والتجسس لصالح المعسكر الأحمر ، كما أن مصر رفضت طلبا إسرائيليا آخر بمبادلته بمجموعة من الجنود المصريين الأسرى ولكن الجانب المصري رفض المبادلة بحجة أن مزراحي ليس جنديا أسيرا بل هو جاسوس...هذا الأمر جعل رئيس الموساد آنذاك الجنرال زفي زامير يسافر إلى واشنطون من أجل التوسط لصالح مزراحي. وفي منتصف المحادثات طلبت رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير عن طريق وزير دفاعها موشي ديان الانسحاب من المفاوضات والخضوع للرأي العام وتجاهل قضية إطلاق سراح مزراحي والتركيز على استرداد الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى الجانب المصري. نتيجة لذلك قرر زامير تقديم استقالته من رئاسة الموساد
.
■ إلا أن الأيام كانت تخبئ لباروخ مفاجأة أخرى ، ففي منتصف ليلة الثالث من مارس 74، بدأت فجأة حركة غير عادية أمام باب زنزاته الضيقة..وألقى عليه السجان نظرة احتقار مخيفة أردفها بجملة واحدة: "استعد سيفرج عنك غدا يا......".وقد كانت حقا مفاجأة مذهلة ..!!
.
● فما أن انتهى المؤذن من رفع آذان الفجر، ومع بزوغ أول ضوء للنهار تحركت من أمام بوابة السجن الضخمة قافلة سيارات تحمل لوحات دبلوماسية، زجاجها مغطى بستائر سوداء قاتمة. تقدمت الركب سيارة تحمل شعار الصليب الأحمر، واستغرقت الرحلة أربع ساعات كاملة، حتى أشرفت السيارات على شاطئ قناة السويس..وعبرت الممر المائي تدوس فوق أحد الجسور المتبقية منذ حرب أكتوبر.. وسرعان ما دلفت إلى شبه جزيرة سيناء، وبدأت تنهب الطريق نهبا ، وأخيرا توقفت السيارات أمام القاعدة العسكرية المقامة على قارعة الطريق الرابط بين العريش والقنطرة وبورسعيد ، وهناك تحت رعاية مسئولي "الصليب الأحمر" استلم رجال المخابرات المصرية 65 فدائيا سيناويا وفلسطينيا من سكان سيناء وقطاع غزة.
.
■ وقد اعترف الناطق بلسان جيش الاحتلال في بيانه الصادر في الرابع من مارس نفس العام عن هؤلاء الفدائيين : "أنهم نفذوا عمليات فدائية، وأنشطة تجسس في غاية الخطورة لصالح المصريين"، لكن ما لم يذكره البيان العسكري الصهيوني، وظل سرا لم يعلنه الجانب المصري الذي يفضل الكتمان وعدم التفاخر بإنجازاته، أن ضباط المخابرات العامة استلموا كذلك اثنين من أهم جواسيسنا، أو قل"رجالنا في تل أبيب"، وهما "عبد الرحمن قرمان"، و"توفيق فايد البطاح". اللذين يعترف كتاب "الجواسيس"الصادر حديثا في إسرائيل أنهما أكبر دليل على الفساد والفوضى في جهاز الاستخبارات الإسرائيلية، والنجاح في المخابرات العامة المصرية.
.
■ وقد توفي مزراحي في اسرائيل سنة 2005 بهدوء بدون أن يصدر من الحكومة الإسرائيلية أي بيان رسمي يذكر فيه العرفان والامتنان من الدولة للخدمات التي قدمها لهم طوال خدمته العسكرية كما هي العادة.
.
•• جدير بالذكر أن قصة باروخ تم تجسيدها فى عالم الدراما المصرية من خلال مسلسل "الصفعة" بطولة شريف منير وهيثم أحمد زكى وشيرين رضا ومن إخراج مجدى أبو عميرة.
.
شير من فضلك :)
.
تعليقات
إرسال تعليق